بسم الله الرحمن الرحيم
ثم السلام يتلوه السلام "
اليوم شعرت بالرضا والسرور فكلما دخلت الي مزرعة والدي ينتابني ذلك الشعور الجميل , فهذه المزرعة ظلت باقيه لم تفقد من صبغتها التراثية والتاريخية الا النزر اليسير فكل ما مررت بها أدعو لأبي حرصه وتفانيه على عمارتها وإهتمامه بها من عوادي الزمان وعاديات الإنسان ..
هذه مقدمة بسيطة موجزة حول الحديث عما يختلج بداخلي , والربط بين عنوان الموضوع وال" قرقيعة " هذا الأسم الذي لا تجهلونه أبداً فهي عبارة عن مجموعة من" علب الحليب أو جوالين الزيت " تربط ببعضها وتعلٌق في أعلى سارية في منتصف البلاد أو المزرعة ثم تربط بحبل طويل فما أن يتم سحبها تتحرك مصدرتاً صوتاً مفزعاً ومزعجاً يثير الرعب في الحيوانات والطيور التي تهاجم الزرع والمحصول .
فحفظ الله والدي كان له نسق معين في هذه الجلاجل وتلك التماثيل الخشبية التي تكسى بملابس لتوهم النيص أن رجلاً ما يقف بجوار " ركيب الجزر" فيولي النيص هارباً مخافة هذا الرجل الواقف بشموخ وكأنه المقداد بشحمه ولحمه ..
ولقد أثر منظر هذه السارية في محدثكم ورأيت أن أنبش الحديث حولها وأصورها كأنها تظاهرة سابقة بين أجدادنا المزارعين وأباؤنا ومعلم جمالي لها علاقة وثيقة بالطبيعة الزراعية وأمن وحماية محاصيلهم مما يضر بها .
ومما يبدو لي أن العناية بتلك المناظر التي شاهدناها في صغرنا تلاشت وأضمحلت وضعفت , وأصبح يكتنفها غموض وتغافل غير مبرر .
وعند الحديث مع المقداد عن هذه الظواهر الإبداعية والمتمثلة في بعض ما أشرنا له كـــ القرقيعة وفزاعة الطيور أجاب فقال إنما ذلك كفاح وعقل مفكر وإرادة ألهمتنا التعامل بروح كفاحية وأبداعية من أجل حماية محصولنا لأنه بفضل الله مايحقق لنا حياة كريمة ونزيهه ..
وحقيقة أني ذهبت كثيراً في هذا الجانب وتمنيت لو نسعى لتوثيق تلك المناظر والتي لم تزل مشاهدة في بعض الأمكنة للتعريف بها لولئك المتعطشين لمثل هذه المعرفة ..
وأذكر قصة مرت بي قبل ردحاً من الزمن عندما كنت مرتحلاً من الطائف وقاصداً الخرمة كان عصر ذلك اليوم حار وقائض وداخل سيارة" لوري وبعد أن قطعنا قرابة ال 300 كلم تقريباً توقفنا في إحدى الإستراحات لتناول العشاء والإسترخاء قليلاً من عناء الرحلة في إحدى المقاهي , ثم أستلمنا طريقنا وبعد فترة وجيزة تعطلت أنوار اللوري !! فحاولنا بكل ما أوتينا من علم ودراية لكن دون جدوى ,
كان الحل الوحيد هو مواصلة السير بدون أنوار ولكن عناية الله في هذا الوقت , فأخذ السائق الحاذق يدلي برأسه من النافذة ليبلغ المحطة التالية بهذا الإصرار العجيب فقبيل الوصول الي الوجهة المحددة كان الطريق قد أخذ شيئاً من الوعورة بالقرب من مزرعة مما أجبر السائق على السير على مهل شديد , ففي ظل هذا الموقف الرهيب والظلام الدامس كان اللوري يمر بجوار سارية المزرعة التي مربوط بها هذه "القرقيعة " فلحظة مرورنا صدر منها هذا الصوت الذي أفزعني حتى جمد الدم في عروقي,,وتيقنت بعد أن سكن الخوف أن صاحب المزرعة قد سحب الحبل لحماية محصوله ,, فأصبحت أتذكر هذا الموقف حتى ليلة الناس هذه .
وبين هذه القصة أتذكر أن المقداد الأعظم كان أكثر ذكاءً فقد كان حين ينام يقوم بربط هذا الحبل في إحدى قدمية حتى اذا ما تحرك وهو نائم شد الحبل ليصدر الصوت من أعلى السارية !!
ليت أبا عبدالرحمن يدعمنا بالصورة , كون سماحة الشيخ القرقيعة مسافر !! حفظه الله في حله وترحاله